تعديل

السبت، 15 سبتمبر 2012

( لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته )!..

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

هنالك إشارة للفقر بلهجة الذم، يقول الإمام علي ( عليهم السلام ) : ( لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته )!..(1) أو كما ينقل في الكتب ( لو كان الفقر رجلاً لقتلته )

يمكن ان يلاحظ قول الإمام علي ( عليه السلام ) من جنبتين :
وقبل البحث في الموضوع نشير إلى ملاحظة مهمة وهي أن الدين الإسلامي كامل بتمام معنى الكلمة، وفي كل مجالات الحياة ومنها الاقتصاد، فمن يزعم بأن الإسلام ليس فيه قانون اقتصادي متكامل فهو غير صائب.
إن الشريعة الإسلامية فيها نظرية متكاملة وأجوبة تامة لجميع المسائل الاقتصادية، وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) عن
الشريعة: فيها كل ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلا وهي فيها حتى أرش الخدش« (2). ولو بقدر خدشه طفيفة.تعريف الفقر
يختلف تعريف الفقر ومعناه بحسب الموضوع الذي يبحث فيه، ففي الاقتصاد: هو الجوع والعوز والحرمان، وهذا المعنى هو المشهور في اللغة، ومنه الفقير وهو الذي لا يملك إلا قوت يومه وهو الذي يستحق العطاء والصدقة وإليه أشارت الآية: (إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ) (3).
وهناك معان أخرى تأتي بالعرض وهي أعم مما هو شائع عنه، وتنقسم إلى معنوية ومادية.
ومثال المعنوية: فقر الإنسان إلى الله تعالى فمهما كانت صفته فإنه فقير إلى الله تعالى، أي محتاج إلى رحمته وعفوه، وهو الذي أشارت لـه الآية: (رَبّ إِنّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)
(4) .
الجنبة الأولى : ان الفقر فقر الدين والعقيدة وهذا الفقر يكون له مسلوبه الدال عليه من أن الإنسان الذي لم يتقن حركته الدنيوية، ليس له مستقبل أخروي مشرق.. فالدنيا مزرعة الآخرة، والمزرعة كلما زادت واتسعت، كثر أنهارها، وكثر العاملون عليها، وزادت الثمار، وزاد المحصول.. فالدنيا مزرعة، وثمارها نقطفها في الآخرة , وهذا الفقر والفاقة هما اللذان يسببان الانحراف واقتراف الذنب . مثل : الإدمان ، السرقة ، والجرائم الأخرى . كما في المثل القائل : « الإنسان الجائع لا إيمان له »
.
ولذلك أن الإسلام يرى الجدب أو الفقر الروحي والفكري أسوأ من الفقر الاقتصادي.
فالعوز المالي يمكن جبرانه وعلاجه ولكن الفقر الروحي يؤدي بالإنسان إلى الشقاء حتى لو كان غنياً.
ونحن بهذه الجنبة لا نحاول أن نحمد الفقر والعوز، بل نؤكد على أن الفقر لا ينحصر بالجانب الاقتصادي فقط، إذ إن هناك ما هو أخطر من ذلك وهو الفقر في الفكر والروح.
ولعل اهتمام الإنسان في هذا الجانب من الفقر يعود إلى معاناته والآلام التي تنجم عن العوز المادي خلافاً للفقر الروحي والمعنوي الذي لا يمكن الشعور به من قبل الإنسان الفقير في هذا الجانب، بل إن الآخرين ـ خاصة أولئك الذين يتمتعون بالثراء الروحي والفكري ـ هم الذين يدركون مدى فقر الإنسان في هذه الناحية.
ولذا نرى الأنبياء ومن سار على خطاهم منذ فجر التاريخ يؤكدون على رفع العوز الروحي والمعنوي، ذلك أن الفقر الاقتصادي أمر يدركه الناس كافة ولا يحتاج إلى من ينبههم إليه.
كما إنه يقزّم الذات ويلغي الدور الكبير للإنسان :
قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) لابنه محمد بن الحنفية : « ... فانّ الفقر منقصة للدّين ، مدهشة للعقل داعية للمقت » (5
).
.و قال أيضا (( إن الفقر مذهلةٌ للنفس ، مدهشةٌ للعقل ، جالبٌ للهموم )) ..
. (6) فانه لا يتيح للنفس أن تأنس ، أن تفرح ، أن تنفتح على الحياة ، على ما في الحياة من مراءٍ جميلة ، وما فيها من مناظر حلوة ، إنه السبب على النفس بالمساءة ، ويجعلها تعيش الظلمة ، وينسيها لذة الحياة ، يمتلك على الإنسان وعيه ، عقله ، تفكيره يلفهُ بالهموم والمأساة ، ويأسرهُ للمشاعر السوداء ، إنه الكآبة .. إنه البؤس .. إنه الشقاء ..
قال تعالى وهو يعدد النعم التي انعم لها على نبينا الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) : (ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر. وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث) (
7) .
ويقول الإمام علي ( عليه السلام ) : "إن للجسم ستة أحوال: الصحة، والمرض، والموت، والحياة، والنوم، واليقظة. وكذلك الروح فحياتها علمها، وموتها جهلها، ومرضها شكها، وصحتها يقينها، ونومها غفلتها، ويقظتها حفظها (8
).
قال امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : « الفقر الموت الأكبر »
(10) .
وقال ( عليه السلام ) كذلك : « القبر خير من الفقر »
(11) .
وعلى هذا الأساس فانّ أحد الأسباب التي تساعد على إيجاد الأرضية الاقتصادية للذنب والانحرافات الدينية والعقائدية هو الفقر .
الجنبة الثانية : و كما ذكرنا سابقاً بان الفقر في بعض الأحيان يهيئ الأرضية للذنب ، ولكن نرى ان بعض الروايات تمدح الفقر وبعضها تذمّه ، أمّا الذي ذمته الروايات فهو الفقر الاقتصادي الذي يحصل بسبب استغلال المستعمرين وجشع أصحاب رؤوس الأموال والأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تتولّد عنها الفوضى والبطالة ولذا قال الإمام علي عليه السلام ( فما جاع فقير إلا بما متع به غني) (
12) .
فالفقر الاقتصادي من أعظم ما يبعث الإنسان على النهب والغارة والقتل وسفك الدماء ، وكان الفقر في العرب قبل الإسلام في الغاية والنهاية يعيشون في شقاء شديد ، يئدون البنات ، ويقتلون الأولاد من الإملاق قال سبحانه ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) (1
3) .
وقال تعالى : ( قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم )
(14).
وقال سبحانه : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم )
(15).
ولا يخفى ذلك على من درس تأريخ العرب قبل الإسلام . والعلة في فقرهم هذا عدم اهتمامهم بالإنتاج ( من الحرث والزرع والغرس وحفر الآبار واستخراج العيون وابتغاء فضل الله الكامن في الأرض فبقوا وعاشوا في غاية الفقر و جشوبة العيش سيما إذا منعت السماء قطرها والأرض نباتها ، ومن أجل ذلك استحلوا قتل الأولاد من البنين والبنات ، واستحلوا الحرمات ، وارتكبوا الفجائع .
كما يعد الفقر الاقتصادي في رؤية الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) معلولا للتلازم بين ثقافة الكسل والعجز . وإلا فإن المجتمع الذي تهيمن عليه ثقافة العمل لا يمكن أن يصاب أبدا بآفة الفقر ، الذي يعد بدوره بؤرة لتفشي كثير من الأمراض المادية والمعنوية في المضمارين الفردي والاجتماعي . على هذا الأساس راح الإمام يشيع ثقافة العمل في ربوع المجتمع بوصف العمل عبادة ، وكان هو نفسه ( عليه السلام ) عاملا نموذجيا .
فستلخص مما أعده الإمام علي عليه السلام آفة للفقر وأساساً له و التي تتمثل بعدة أسباب :
1. عدم التوعية العامة و الإرشاد بالسلوك الاستهلاكي .
2. عدم تأهيل بعض الشباب لسوق العمل بإعداد برامج تدريبية و تأهيلية .
3. عدم إيجاد فرص وظيفية للعاطلين عن العمل .
4. عدم التنسيق مع الجهات المعنية مثل الدولة و مكتب العمل و مؤسسات القطاع الخاص للتوظيف السريع .
5. عدم تمويل المشاريع الصغيرة و متناهية الصغر.
8. عدم تشجيع بعض الأسر على برامج الأسر المنتجة من خلال حرف و مهن بسيطة .
13. عدم إيجاد أدوات مصرفية لإقراض الأسر المنتجة .
علماً لو حلت هذه الإشكالات لما كان للفقر والفاقة وجود .
الهوامش
________________
(1) نهج البلاغة 3 / 110 .
(2) الكافي: ج1 ص241 ح5. المراد بأرش الخدش: الغرامة التي يدفعها الإنسان إذا جرح جسم غيره
(3) سورة التوبة: 60.
(4) سورة القصص: 24.
(5) نهج البلاغة حكمة 319
(6) غرر الحكم 52.
(7) الضحى: 6 ـ 11
(8) بحار الأنوار، ج61، ص40.
(9) تحف العقول ص153.
(10) فهرس الغرر باب ( الفقر ) .
(11) نهج البلاغة/ صالح/ ص532.
(12) الأنعام : 151 .
(13) الأنعام : 140
(14) الإسراء : 31

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More