بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلينوعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين إلى قيام يوم الدين
قالتعالى:{ياأيُّها النبيُّ قُلْ لأزواجِكَ إنْ كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياةَ الدنياوزينتَها فتعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنّ وأُسرِّحْكُنّ سَراحاً جميلا *وإنْ كنتُنّتُرِدْنَاللهَ ورسولَهُ والدّارَ الآخِرةَ فإنّ اللهَ أعدَّ للمُحسِناتِ مِنكُنّأجراً عظيما{(1)
كانت خديجةُ بنت خُوَيلد بن أسد.. من المحسنات اللّواتي ظهرتْ نجابتُهنمنذ عهدٍ بعيد، فهي شريفة قريش والملقَّبة في الجاهليّة بـ « الطاهرة »، والمعروفةبسيرتها الكريمة، وخديجة رضوان الله عليها كانت في العهد الجاهليّ على دين الحنيفيّةوعلى ملّة إبراهيم الخليل عليه السّلام، فهي من الموحِّدات النجيبات، ومن السلالة التيينحدر منها النبيّ صلّى الله عليه وآله حيث يلتقيانِ في الجَد الرابع: قصيّ بن كلاب.
نسبها (عليها السلام)
هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعببن لؤي بنغالب بنفهر.وأمها: فاطمة بنت زائدة بن الأصم بنرواحة بن عبد بن معيصبن عامربن لؤي بن غالب بن فهر(2).
ولادتها :
ولدت السيدةخديجة فيالسنة الثامنة والستين قبل الهجرة النبوية الشريفة(3)، في بيت من أشرف بيوت قريش وأعزها، ونشأتعلى الخيروالصلاح،وصانت نفسها من كل قبيح من شأنه أن يدنس كرامتها، أو يسئ إلى عزتها وشرفها.
تجارتها وزواج النبي (صلى الله عليه وآله) منها (عليهاالسلام) :
محمد بن إسحاق قال :كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال ،تستأجر الرجال في مالها ، وتضاربهم إياه بشئ تجعله لهم منه ، وكانت قريش قوماتجارا ، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وآله من صدق حديثه و عظيم أمانتهوكرم أخلاقه بعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرا إلى الشام ، وتعطيه أفضلما كانت تعطي غيره من التجار ، مع غلام لها يقال له : ميسرة ، فقبله منها رسول اللهصلى الله عليه وآله ، وخرج في مالها ذلك ، ومعه غلامها ميسرة حتى قدم الشام ، فنزلرسول الله صلى الله عليه وآله في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب ، فاطلع الراهب إلىميسرة فقال : من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ فقال ميسرة : هذا رجل منقريش من أهل الحرم ، فقال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي ، ثم باعرسول الله صلى الله عليه وآله سلعته التي خرج فيها ، واشترى ما أراد أن يشتري ، ثمأقبل قافلا إلى مكة ومعه ميسرة ، وكان ميسرة فيما يزعمون قال : إذا كانت الهاجرةواشتد الحر نزل ملكان يظلانه من الشمس ، وهو يسير على بعيره ، فلما قدم مكة علىخديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعف أو قريبا ، وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعماكان يرى من إظلال الملكين ، فبعثت إلى رسول الله فقالت له فيما يزعمون : يا ابن عمقد رغبت فيك لقرابتك مني ، و شرفك في قومك ، وسطتك فيهم ، وأمانتك عندهم ، وحسنخلقك وصدق حديثك ، ثم عرضت عليه نفسها ، وكانت خديجة امرأة حازمة لبيبة ، وهييومئذ أوسط قريش نسبا وأعظمهم شرفا ، وأكثرهم مالا ، وكل قومها قد كان حريصا علىذلك لو يقدر عليه ، فلما قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله ما قالت ذكر ذلك لاعمامه ، فخرج معهمنهم حمزة بن عبدالمطلب حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها رسول الله صلى اللهعليه وآله . (4)
الاحاديث في فضلها (عليها السلام) :
قال: (صلى الله عليه وآله) (خير نساء العالمينأربع: مريم بنت عمران،وآسية بنتمزاحم امرأة فرعون،وخديجة بنت خويلد،وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) (5).
وقال صلّى الله عليه وآله: أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمةبنت محمّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون . (6)
وقال صلّى الله عليه وآله: أربعنسوة سيّدات سادات عالمهنّ: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمةبنت محمّد.. وأفضلهن عالَماً فاطمة .(7)
أخبرنا محمد بن محمد ، قال أخبرنا أبو القاسمجعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن العباسبن عامر القصباني ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن بريد العجلي ، قال : سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) يقول : لما توفيت خديجة(رضي الله عنها ) جعلتفاطمة ( صلوت الله عليها ) تلوذ برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتدور حوله ، وتقول: يا أبه ، أين أمي ؟ قال : فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) فقال له : ربك يأمرك أن تقرئفاطمة السلام ، وتقول لها : إن أمكِ في بيت من قصب ، كعابه من ذهب ، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران ، فقالت فاطمة ( عليها السلام ) : إن الله هو السلام ،ومنه السلام ، وإليه السلام .(8)
أخبرنا أبو عمر، قال أخبرنا أحمد، قال حدثناأحمد بن محمد بن يحيى الجعفي، قال حدثنا أبي، قال حدثنا الحسين بن عبد الكريم و هوأبو هلال الجعفي، قال حدثنا جابر بن الحر النخعي، قال حدثني عبد الرحمن بن ميمون أبوعبد الله، عن أبيه، قال سمعت ابن عباس يقول أول من آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الرجال علي (عليه السلام)، و من النساء خديجة عليها السلام . (9)
حدثنا أبي و محمد بن الحسن رضي الله عنهماقالا حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و محمد بن عيسىعن محمد بن أبي عمير عن جميل بن دراج عن محمد بن مسلم قال قال أبو جعفر عليه السلامما أجاب رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) أحدٌ قبلَ علي بن أبي طالب و خديجة (عليهماالسلام) ، و لقد مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة ثلاث سنين مختفيا خائفا يترقبو يخاف قومه و الناس . (الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة إليه) (10)
ما قيل فيها (عليها السلام) من الكتاب والباحثين:
وقال السيّد عبدالحسين شرف الدين الموسويّفي بيان مقام خديجة عليها السّلام: صدّيقة هذه الأمّة، وأوّلها إيماناً وتصديقاً بكتابه،ومواساةً لرسول الله صلّى الله عليه وآله ( من النساء ). انفردت به خمساً وعشرين سنةًلم تشاركها فيه امرأةٌ ثانية، ولو بقيت ما شاركتها فيه أُخرى، وكانت شريكته في محنتهطيلة أيّامها معه. (11)
وقال الكاتب المسيحيّ الأستاذسليمان كتّاني: أعطت خديجةُ زوجَها حُبّاً، وهي لا ترى أنّها تعطي بل تأخذ منه حبّاً..فيه كلّ السعادة. وأعطته ثروة وهي لا ترى أنّها تعطي، بل تأخذ منه هدايةً تفوق كلّكنوز الأرض. وهو بدوره أعطاها حبّاً وتقديراً رفعاها إلى أعلى مرتبة ويقول: ما قامالإسلام إلاّ بسيف عليّ وثروة خديجة.(12)
وقالت الدكتورة بنت الشاطئ: خديجة.. أُولىأُمّهات المؤمنين، وأقرب زوجات النبيّ وأعزّهنّ عليه حيّةً وميّتة. وقفت إلى جانبهسنوات الاضطهاد الأُولى تُؤازه وترعاه، وتُهوّن عليه ما كان يلقى من قريش في سبيل رسالته. (13)
وفاتها (عليها السلام) :
وقد انتقلت السيدة خديجة إلى جوارربها راضيةمرضية في اليوم العاشر من شهر رمضانالمبارك، السنة العاشرة من البعثة النبويةالشريفة،وهمانفس الشهر والعام اللذان انتقل فيهما أبوطالب إلى (رحمة اللهتعالى)،فحزن النبي (صلى الله عليه وآله) عليهماحزناً كبيراً، وسمى العام الذي توفيا فيه عام الأحزان.(14)
وقد نزل رسول الله صلّى الله عليه وآلهفي قبرها ليملأه سكينةً وطمأنينةً لها، ويزيح عنها وحشته وظُلمته.
وكانت خديجة عليها السّلام أن أنجبت لرسولالله صلّى الله عليه وآله ولدَينِ هما: القاسم والطاهر، تُوفّيا في حياته صلّى اللهعليه وآله.. ثمّ كان لها كبير الشرف أن ولدت فاطمةَ الزهراء البتول عليها أفضل الصلاةوالسّلام سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين والآخرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ـسورة الأحزاب: 28 ـ 29.
(2)سيرة ابن هشام المجلد الأول الجزء الأول ص 174
) 3)خديجة بنت خويلد لعليدخيل ص 12
(4) البحار ج 16ص 8 ,ذخائر العقبى ص44(5)(6) الاستيعاب،لابن عبدالبَرّ 720:2.
(7) ذخائر العقبى، لمحبّ الدينالطبريّ 44.
(8) الشيخ الطوسي في الأمالي صفحة 175
(9) الشيخ الطوسي في الأمالي ص 259
(10) الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمامالنعمة ج 1 ص 328
(11) عقيلة الوحي، للسيّد شرف الدينالموسويّ 20. (12) فاطمة الزهراءوترفي غمد، لسليمان كتّاني 112.
(13)بطلة كربلاء، للدكتورة بنت الشاطئ 13.(14)انظر عن وفاةخديجةوأبي طالب سيرة المصطفى ص201 - 205.
0 التعليقات:
إرسال تعليق