تعديل

الأربعاء، 31 يوليو 2013

منزلة السيدة نفيسة رضوان الله عليها

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

من هي السيّدة نفيسة؟
عرّفها البعض بأنّها: سيّدة أهل الفتوّة، والسيّدة الشريفة العَلَوية، وصاحبة الكرامات الوفيرة، والمناقب الفاخرة الكثيرة. مُشْبِعة المحروم، النقيّة الزاهدة، الراكعة الساجدة، المُحدِّثة المتبحّرة، الكثيرة النفحات، الغزيرة البركات، سليلة النبوّة، وكريمة العنصر والمنبت من آل بيتٍ اصطفاه الله تبارك وتعالى.
وقد كلّلها الله جَلّ وعلا بهذه الألقاب الشريفة:
نفيسة الدارَين: لعَوارفها، وشفاعتها، وتواضعها لبارئها، ورحمتها وبِرّها وصلتها لذويها وقاصديها. ونفيسة العِلْم: لما استنبَطَته من دخائل العلم واستَجْلَته من غوامضه، ومانَثَرَته على طالبي الاستفادة، فرجع الناس إليها في حلّ المشكلات والمعضلات.
المولدالمبارك:
وُلِدت هذه السيّدة الطاهرة في مكّة المكرّمة في الحادي عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 145 هجريّة. وقد عمّت الفرحةُ أكنافَ بيتها، وابتهجو الدها لِما رأى في سيماها شَبَهاً عجيباً بأخته السيّدة نفيسة بنتزيد رضي الله عنها، فاختار لها اسم عمّتها متفائلاً أن تكون كذلك نفيسة.
ووالدها هو أبو محمّد الحسن الأنور (والد جدّ عبدالعظيم الحسنيّ المدفون بالريّ جنوب طهران )، ابن زيد الأبْلَج، ابن الحسن السِّبط المجتبى سيّد شباب أهل الجنّة، ابن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام. وكان الحسن الأنور عالماً جليلاً، معدوداً من التابعين، كما كان مُجابَ الدعوة فاضلاً شريفاً. أصبح مدّةً والياً على المدينة إلى أن عزله المنصور لوشايةٍ فيه، مع أنّه كان ذا حزمٍ في ولايته وشدّةٍ في أخذ الناس بالحدود وحُرُمات الله (1). ومن كراماته: أنّه كان يوماً في الأبطَح، فمرّت به امرأة معها ولدها، فاختطفه عُقاب، فسألتِ الحسنَ بن زيد أن يدعو اللهَ لها بردّهِ، فرفع يديه إلى السماء ودعا ربَّه، فإذا بالعُقاب قد ألقى الصغير مِن غير أن يضرّه شيء (2).
أمّا أمّها فأمّ ولد، وأمّا إخوتها فأمّهم أمُّ سَلَمة زينب بنت الحسن المثنّى ابن الإمام الحسن ابن الإمام عليّ عليهم السّلام.

النشأة والاقتران:
نشأت السيّدة نفيسة رضي الله عنها نشأةً طيّبة كريمة، دَرَجَت بمكّة المكرّمة تحوطها العزّة والكرامة، ثمّ استصحبها أبوها ـ وهي في الخامسة من عمرها ـ إلى المدينة المنوّرة برسول الله صلّى الله عليه وآله، فعلّمها رحمه الله ما تحتاج إليه من أمور دينها ودنياها. ثمّ تلقّت الحديث والفقه، وسمعت تاريخ دينها وتاريخ أُسرتها النبوية الشريفة.
ولصلاحها وتقواها وعبادتها، رَغِب فيها فِتيان آل البيت عليهم السّلام، فأبى أبوها عليهم وقد رآها مُقْبِلةً على العلم والعبادة، حتّى تقدّم إليها إسحاق المؤتمَن ابن الإمام الصادق صلوات الله عليه، فلم يُعطِه أبوها جواباً، فقام إسحاق ووقف تجاه قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله بخشوعٍ وإجلال يخاطبه: يا رسول الله، إنّي خطبتُ نفيسة بنت الحسن من أبيها فلم يَرُدّ علَيّ جواباً، وإنّي لم أخطبها إلاّ لخيرها ودينها وعبادتها. وفي تلك الليلة ذاتها رأى أبوها جَدَّه المصطفى صلّى الله عليه وآله في رؤيا صالحة وهو يقولله: « يا حَسَن، زوِّجْ نفيسة مِن إسحاق المؤتمن »، فما أفاق حتّى بعث إلى إسحاق يستدعيه إليه، فسارع إليه، وعُقِد له في جمعٍ من ذراري بيت رسول الله، وكان ذلك سنة 161 هجريّة (3). وبعد أن جهّزها أبوها تزوّجها إسحاق في دار أبيه جعفر الصادق بالمدينة، وهي الدار التي كان يُسقى فيها الماء الذي تصدّق به الإمام الصادق عليه السّلام، فكان أن التقى النُّوران: الحسنيّ، والحسينيّ.. فنفيسة من أحفاد الإمام الحسن، وإسحاق مِن أحفاد الإمام الحسين صلوات الله عليهما.
وقد أثمر الاقتران الطيّب بين نفيسة وإسحاق عن وَلَدَين، هما:القاسم، وأمّ كلثوم. قَدِم إسحاق مصر، ولم يمكث بعد وفاة زوجته الطاهرة نفيسة زمناً كثيراً، حيث تُوفّي في مصر ودُفن هناك، وإن قيل بأنه رضوان الله عليه رحل هو وولداه القاسم وأم كلثوم إلى المدينة بعد وفاة زوجته، وتُوفي هناك.

منزلةالسيّدة نفيسة:
ما إن فتحت السيّدة الزاكية نفيسة بنت الحسن مسامعها على ما حولها حتى أخذت تعي آيات كتاب الله العظيم، وقد أحاطها بالعناية أبٌ صالح وأمٌّ عابدة، طالما تَلَيا القرآن الكريم وترنّما بالأدعية الشريفة فانتهت إلى مسمعها الطاهر، فنشأت رضوانُ الله عليها بين المعارف والعبادات، تسمع أحاديث جَدِّها المصطفى صلّى الله عليه وآله فتُشغَف بها، ثمّ ترويها عن أبيها وآل بيتها.
وقد حفِظت القرآن وتعلّمت تفسيره، وكانت تقرأ وتبكي، ثم تدعو: إلهي وسيّدي، يَسِّرْ لي زيارة خليلك إبراهيمَ عليه السّلام. وحين بلغت المزار، وقفت بين يَدَي جَدَث الخليل عليه السّلام وأجهشت بالبكاء بكاء السرور؛ لِتحقُّقِ أُمنيّتها، ثمّ جلست لتقرأ في خشوع آيات الله التي وردت في إبراهيم عليه السّلام: (وإذْ قالَ إبراهيمُ رَبِّ آجعَلْ هذَا البلَدَ آمِناً..) إلى آخر سورة إبراهيم، فأحسّت بعد ذلك التفكّر والخشوع أنّ الخليل واقف أمامها يخاطبها: ابنتي يا نفيسة، أبْشِري فإنّكِ من الصالحات القانتات.. ثمّ أرشدها وأوصاها ببعض وصاياه الأبويّة الشريفة (4).
وفي شأن طاعاتها المتواصلة، قالت ابنة أخيها زينب بنت يحيى المتوَّج ابن الحسنبن زيد: خدمتُ عمّتي السيدةَ نفيسة أربعين سنة، فما رأيتها نامت بِليل، ولا أفطرت بنهار إلاّ العيدينِ وأيّامَ التشريق، فسألتها: أما تُرفقين بنفسِك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي عقباتٌ لا يَقطعَهُنّ إلاّ الفائزون؟! (5)
منكراماتها:
لهذه السيّدة الجليلة كرامات وافرة في حياتها، وبعد وفاتها. ذكر منها ابن حجر نحواً من مئةٍ وخمسين كرامة، لا على سبيل الحصر بل على سبيل المثال. وقد اخترنا من كرامات هذه السيّدة كريمة الدارين وسلالة أهل البيت، هذه الكرامات:
1 ـ عن سعيد بن الحسن قال: توقّف النيل بمصر في زمن السيّدة نفيسة رضي الله عنها، فجاءها الناس وسألوها الدعاء، فأعطَتْهم قِناعها، فجاؤوا به إلى النهر وطرحوه فيه، فما رجعوا حتّى زَخَر النيل بمائه، وزاد زيادةً عظيمة (6).
2 ـ ازدحمت الخيل على أُمّها، وكانت تحملها وهي طفلة رضيع لم تتجاوز نصفَ عام، فأشارت وهي في حضن أمها بيدها الكريمة بردّ الخيل، فردّها الله عزّ وجلّ ببركتها؛ إعلاماً بما يكون لتلك الطفلة في مستقبل أيامها من علوّ شأنٍ ورفعةٍ وقَدر.
الفهرس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 309:7، والمنتظم لابن الجوزي 294:8، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 21:2.
2ـ الخطط المقريزيّة 326:4.
3ـالخطط المقريزيّة 327:4.
4ـ الخطط المقريزيّة 325:4.
5ـ الخطط المقريزيّة 325:4.

6ـ تحفةالأحباب للسخاوي 159، والخطط المقريزية 326:4.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More